❞ ˝ مقاصد سورة الفاتحة الخمسة ˝
اشتملت سورة الفاتحة على أهم مقاصد القرآن الكريم على وجه الإجمال
, ثم فصل ما أجملته في القرآن كله؛ فقد اشتملت الفاتحة على التوحيد والعبادة وطلب الهداية
, والثبات على الإيمان
, وفيها أخبار وقصص الأمم السابقة
, وفيها معارج السعداء ومنازل الأشقياء
, وقد نزل القرآن لبيان حقوق الخالق على خلقه
, وحاجة الخلق إلى خالقهم
, وتنظيم الصلة بين الخالق والمخلوق.
وهذه جملة المقاصد التي جاء بها القرآن الكريم
, بل التي جاءت بها الكتب السماوية والشرائع الإلهية جميعًا: في ˝ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ˝ بيان لحقوق الله تعالى على خلقه.
وفي ˝ اهدِنَـا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ ˝ تنظيم للصلة بين المخلوق والخالق.
وفي طلب الهداية بمناجاة العبد ربه قائلًا: ˝ اهدِنَـا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ ˝ بيان لحاجة الخلق إلى خالقهم.
وفي ˝ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ ˝ إشارة إلى جميع طوائف المبطلين الخارجين عن الصراط المستقيم
, وبيان أسباب هذا الخروج
, وهي لا تتعدى الغضب عليهم
, أو وقوع الضلال منهم.
وبهذا استحقت الفاتحة أن يطلق عليها «أم القرآن» بل «القرآن العظيم».
وقبل الإشارة إلى حقوق الخلق والخالق
, وتنظيم الصلة بين العباد ورب العباد قررت السورة توحيد الله تعالى
, واستحقاقه لهذه العبادة وحده دون سواه.
وبينت سورة الفاتحة أن الناس محاسبون ومجزون على أعمالهم
, إن خيرًا فخير
, وإن شرًا فشر.
اشتمالها على جميع ما جاء في القرآن الكريم:
والفاتحة متضمنة لمجمل ما فصل في القرآن الكريم:
1- فالإشارة إلى توحيد الألوهية جاءت في لفظ الجلالة ˝ اللهِ ˝.
2- والإشارة إلى توحيد الربوبية جاءت في لفظ ˝ رَبِّ الْعَالَمِينَ ˝.
3- والإشارة إلى الأسماء والصفات وجميع صفات الكمال جاءت في آية ˝ الرَّحْمـنِ الرَّحِيمِ ˝ ولفظ (الحمد).
4- والإشارة إلى اليوم الآخر
, وما فيه من عدل وفضل
, وما فيه من بعث وحشر ونشر
, وحساب وجزاء
, جاءت في آية ˝ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ˝.
5- والإشارة إلى كافة أنواع العبادات والإخلاص فيها جاءت في آية ˝ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ˝.
6- والإشارة إلى إثبات النبوات
, وغلى قصص الأنبياء والمرسلين والصالحين
, وإلى إثبات صفة القدر
, وأن العبد حر مختار
, والرد على أهل البدع والضلال
, جاء ذلك في قوله سبحانه: ˝ اهدِنَـا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ ˝.
7- وجاء الحث على السير على نهج الأنبياء والصالحين والاهتداء بهديهم في قوله جل شأنه: ˝ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ ˝.
8- والحديث عن أهل الكتاب وأهل الزيغ والضلال
, جاء في نهاية السورة: ˝ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ ˝.
وعلى هذا ففي سورة الفاتحة خمسة مقاصد:
المقصد الأول: توحيد الله سبحانه: اشتملت السورة على التعريف بالمعبود جل في علاه
, على توحيد الخالق سبحانه
, وتضمنت سورة الفاتحة خلاصة وجيزة لعقائد الإسلام
, واجتثاث جذور الشرك التي كانت فاشية في الأمم
, ومقتضى ذلك توحيد العبادة
, والتوجه بها إلى الله سبحانه
, فهو جل شأنه المعبود بحق دون سواه
, يرشد إلى ذلك قوله تعالى ˝ الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ˝.
ففيها تعليم وإرشاد إلى كيفية التمجيد والثناء والحمد لله تعالى
, ولا يكون ذلك إلا عن نعمة
, وأهمها نعمة الخلق والإيجاد
, ومن كان كذلك فهو جدير بالعبادة وحده؛ ولذلك فقد اشتملت السورة على ثلاثة أسماء لله تعالى
, هي مرجع الأسماء الحسنى والصفات العليا
, وعليها مدارها
, وهي: (الله
, الرب
, الرحمن).
والحمد يتضمن الاعتراف بالألوهية والربوبية والأسماء والصفات وتوحيدها...إلخ.
وربوبيته سبحانه لخلقه ليست مبنية على القهر والجبروت
, بل مبنية على الرحمة
, فهو سبحانه الرحمن الرحيم
, وهذا بيان لحقيقة العلاقة بين الله تعالى وبين خلقه
, وأنها مبنية على الرحمة التي تغمر الخلائق كلهم
, وبخاصة العبد المؤمن.
وقد فصل القرآن الكريم جانب التوحيد
, ونهى عن الشرك في عشرات السور منه
, واعتنى بذلك أيما عناية
, حيث كان التوحيد هو المهمة الأساس في الفترة المكية
, وهي أطول مدتي الرسالة.
المقصد الثاني: الإيمان باليوم الآخر: واشتملت السورة على أهم أركان الإيمان
, بعد الإيمان بالله تعالى؛ وهو إثبات المعاد والجزاء على الأعمال
, والإيمان باليوم الآخر وما فيه من بعث وسؤال وحشر ونشر وحساب وجنة ونار
, وغير ذلك مما فصله القرآن الكريم في العديد من السور والآيات
, لاسيما القرآن المكي
, الذي يُعنى بغرس العقيدة في النفوس أولًا
, في مثل جزأي (عم وتبارك).
وإذا كان في الدنيا نوع من التقاضي بين الناس
, وألوان من الجزاء على الأعمال
, فإن الله سبحانه هو المتفرد بالحكم العادل يوم القيامة
, وهو سبحانه ملك هذا اليوم ومالكه.. ❝