الغلاف
نبدأ الرحلة بغلاف يدعوا للتأمل كتلك الفتاة الجالسة تتوشح بالسواد تنظر للأفق، تأمل في الوصول لحلم بعيد رغم الغيوم والضباب من حولها، تتمنى لو أن لها أجنحة كتلك الفراشات لتحلق كما تشاء، ولكنها لا تدرك أن عمر الفراشة قصير، وأنها حينما تصل للنور الذي هو أقصى أحلامها ستحترق أجنحتها.
العنوان
أسيرة في مدينة الضباب، اسم مناسب تماماً لذلك الحلم الذي أسر تلك الفتاة داخله لتظل تحلم بالعيش في مدينة الضباب، فنجد أن العنوان جملة اسمية توحي بالثبات والاستقرار في حدوث الشيء، فبمجرد قراءته نأخذ انطباع على الاستمرار في ذلك الأسر للنهاية، وخاصة مع بداية الجملة باسم نكرة يدفعنا لمعرفة السبب الموجود في خبر الجملة الذي يؤكد الأسر في مدينة الضباب، ومن لا يعرفها؟! لندن تلك المدينة التي يغطيها الضباب الأسود خاصة في فصل الشتاء، أخذتنا الكاتبة في رحلة إليها سريعة لنعيش فيها بتفاصيلها ومعالمها مع البطلة رغم أنها مجرد أحلام أسرت نفسها فيها بإرادتها متهمة الحب الذي هو برئ من نسج خيوط لحلم لم يكتمل، وظروف لم تساعد على تحقيقه، فأصبح حلمها كضباب تلك المدينة جميل رغم قتامته.
المتن
ومع أولى صفحات الرواية سندرك تمكن الكاتبة وقوة قلمها ورزانة عباراتها، نبدأ حلقات الرواية التي فضلت الكاتبة أن تكون بديلاً لها عن الفصول وجاء ذلك مناسباً لفكرة الرواية، واختارت اسماً لكل حلقة معبراً عن محتواها الذي يدور أحياناً في ثلاث صفحات على الأكثر.
الفكرة
تعيش البطلة صراع مع النفس وآخر مع اختلاف الثقافات والأفكار، ولكن هل ستتخلى عن حلمها في مدينة الضباب؟ هل ستستطيع تحقيق الحلم رغم كل الصعاب؟ وماذا ستفعل تلك الفتاة الحالمة عندما تجد نفسها في أعماق الصعيد؟ هل ستسطيع النجاة من تلك الأفكار والعادات المتوارثة؟ وماذا عن ثأر لا تعرف عنه شيء ومقتول مات قبل أن تعرف هي الحياة؟
رواية إنسانية تعرض ثقافة الصعيد وأفكار ذلك المجتمع، وبسرد طغى على الحوار وأحداث تصاعدية رغم سرعتها وكثافتها
الحبكة
نجحت الكاتبة في تصوير المجتمع الصعيدي ومشاكله وخاصة الثأر الذي لا سبيل للخلاص منه مهما كانت درجة التعليم والثقافة؛ فالكل يقع في براثن تلك العادة المتفشية في صعيد مصر. نجد في تلك الرواية وصف للولائم بما تحتويه من أصناف الطاعم التقليدي الشهي المميز به الصعيد، وكذلك الأفراح وطقوس هذا اليوم بكل تفاصيله، كما نجحت الكاتبة في وصف مراسم العزاء ومشاهد الحزن وخاصة العدودة (البكاء على الميت ورثائه ووصف الحياة بدونه) والتي يعرفها كثير في المجتمع المصري، ولكن ربما لا يعرفون أنه نوع من الفنون الشعبية كالشعر أو الموال متعارف عليه في الصعيد تتوارثه النساء ليتداول على ألسنتهم في المآتم، وهنا أبدعت الكاتبة التي تحترف الشعر وتتقنه في رسم الصورة كاملة لمشاهد العزاء عن طريق العدودة التي تبرع في كتابتها وخاصة أنها من أبناء ذلك المجتمع الثري بتفاصيله المحافظ على تراثه.
الخاتمة
وتأتي النهاية رغم عدم المباغتة إلا أننا سنصل للنتيجة التي سعت إليها الكاتبة بمهارة وخبرة، فكثيراً ما تتوقف حياتنا على حلم نتمنى تحقيقه، نسعى له بكل جهد رغم صعوبته، وربما بعد الكثير من المحاولات نكتشف أنه مستحيل، ومع ذلك يظل يراودنا ذلك الحلم البعيد نعيش تحت أسره مهما مرت الأيام، نتمنى لو كان ونفقد متعة الإحساس بتحقيق غيره مهما تعطينا الأيام بكرم، وفجأة يتحقق ذلك الحلم المستحيل ولكن بعد فوات الأوان، بعد أن يكون قد فقد معناه والإحساس بجماله، أو حتى نكتشف حينها أنه لم يكن بذلك البريق الذي زار أحلامنا يقظة كانت أو في منام، ونتذكر قوله تعالى في كتابه الحكيم (لِّكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ )