❞❝
❞ ثمَّ بعثَ ﷺ عبد الله بن جَحْشِ الأَسَدِيَّ إِلى نَخْلَةَ في رجب ، على رأس سبعة عشر شهراً من الهجرة ، في اثني عشر رجلاً من المهاجرين ، كُل اثنين يعتقبان على بعير ، فوصلوا إلى بطن نخلة يرصُدُون عِيراً لقريش ، وفي هذهِ السَّرِيَّة سمّى عبد الله عبد الله بن جحش أمير المؤمنين ، وكان رسولُ الله ﷺ كتب له كتاباً ، وأمره أن لا ينظر فيه حتى يسير يومين ، ثم ينظر فيه ، ولما فَتَحَ الكتاب ، وجد فيه ( إِذَا نَظَرْتَ في كِتَابي هذا ، فَامْضِ حَتَّى تَنْزِلَ نَخْلَةَ بَيْنَ مَكَّةَ والطَّائِفِ ، فَتَرْصُدَ بِهَا قُرَيْشَاً ، وتَعْلَمَ لنا مِنْ أَخْبَارِهم ) فقال : سمعاً وطاعة وأخبر أصحابه بذلك ، وبأنه لا يستكرههم ، فمن أحب الشهادة ، فلينهض ، ومن كرة الموت ، فليرجع ، وأما أنا فناهض فَمَضَوْا كُلِّهم ، فلما كان في أثناء الطريق ، أضل سعد بن أبي وقاص ، وعتبة بن غزوان بعيراً لهما كانا يَعْتَقِبَانِهِ ، فتخلفا في طلبه ، وبَعُدَ عبد الله بن جحش حتى نزل بنخلة ، فمرت به عِيرٌ لقريش تَحْمِلُ زييباً وأدماً وتجارة فيها عمرو بن الحَضْرَمِي ، وعثمان ، ونوفل ابنا عبد الله ابن المغيرة ، والحكم بن كيسان مولى بني المغيرة ، فتشاور المسلمون وقالوا : نحن في آخر يوم من رجب الشهر الحرام ، فإن قاتلناهم ، انتهكنا الشهر الحرام ، وإن تركناهم الليلة دخلوا الحَرَمَ ، ثم أجمعوا على ملاقاتهم ، فرمى أحدهم عمرو بن الحضرمي فقتله ، وأسروا عثمان والحكم ، وأفلَتَ نوفل ، ثم قَدِمُوا بالعير والأسيرين ، وقد عزلوا من ذلك الخمس ، وهو أول خمس كان في الإسلام ، وأول قتيل في الإسلام ، وأول أسيرين في الإسلام ، وأنكر رسول الله ﷺ عليهم ما فعلوه ، واشتدَّ تعنت قريش وإنكارهم ذلك ، وزعموا أنهم قد وجدوا مقالاً ، فقالوا : قد أحل محمد الشهر الحرام ، واشتد على المسلمين ذلك ، حتى أنزل الله تعالى { يَسْتَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالُ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدُّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الحرامِ وَإخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلُ } ، يقول سبحانه : هذا الذي أنكرتموه عليهم ، وإن كان كبيراً ، فما ارتكبتموه أنتم من الكفر بالله ، والصد عن سبيله ، وعن بيته ، وإخراج المسلمين الذين هم أهله منه ، والشرك الذي أنتم عليه ، والفتنة التي حصلت منكم به ، أكبر عند الله من قتالهم في الشهر الحرام . ❝
❞ ولما انقضت الحرب في بدر ، أقبلَ رسولُ الله ﷺ حَتَّى وَقَفَ عَلَى القَتْلَى فقال ( بِئْسَ عَشيرة النبي كُنتُمْ لِنَبِيكُم ، كَذَّبْتُمُونِي ، وصَدَّقَني النَّاسُ ، وخذَلْتَموني ، ونَصَرني النَّاسُ ، وأَخْرَجْتُموني ، وأواني النَّاسُ ) ، ثم أمر بهم ، فسُحِبوا إلى قَليبٍ مِن قُلب بدر ، فطرِحوا فيه ، ثم وقف عليهم ﷺ فقال ( يا عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ ، ويا شَيْبَةَ بْنَ رَبِيعَة ، ويا فلانُ ، ويا فُلانُ ، هَل وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَكُمْ رَبُّكُم حَقَّاً ، فَإِنِّي وَجَدْتُ مَا وَعَدَنِي رَبِّي حَقَّاً ، فقال عُمَرُ بنُ الخطاب : يا رَسُولَ اللَّهِ ! ما تُخَاطِبُ مِنْ أقوام قَدْ جَيْفُوا؟ فقالَ ﷺ ( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ ، وَلَكِنَّهُمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ الجَوابَ ) ، ثم أقام رسول الله ﷺ بِالعَرْصَةِ ثَلاثاً ، وَكَانَ إِذا ظَهَرَ عَلَى قَوْمٍ أَقَامَ بِعَرْصَتِهِم ثلاثاً ، ثم ارتحل مؤيداً منصوراً ، قرير العين بنصر الله له ، ومعه الأسارى والمغانم ، فلما كان بالصفراء ، قسم الغنائم ، وضرب عُنُقَ النَّضْرِ بن الحارث بن كلدة، ثُمَّ لما نَزَلَ بِعِرْقِ الظَّبْيَةِ ، ضرب عُنُق عُقبَةَ بن أبي معيط ، ودخل النبي ﷺ المدينة مؤيداً مظفراً منصوراً قد خافه كُل عدو له المدينة وحولها ، فأسلم بشر كثير من أهل المدينة ، وحينئذ دخل عبد الله بن أبيِّ المُنافق وأصحابه في الإسلام ظاهراً ، وجملة من حضر بدراً من المسلمين ثلاثمئة وبضعة عشر رجلا ، من المهاجرين ستة وثمانون ، ومن الأوس أحدٌ وستون ، ومن الخزرج مئة وسبعون ، وإنما قل عدد الأوس عن الخزرج ، وإن كانوا أشدَّ منهم ، وأقوى شوكة ، وأصبر عند اللقاء ، لأن منازلهم كانت في عوالي المدينة ، وجاء النفير بغتةً ، وقال النَّبِيُّ ﷺ وقتها ( لا يَتْبَعُنَا إِلَّا مَنْ كَانَ ظَهْرُهُ حَاضِراً ) ، فاستأذنه رِجالٌ ظُهورهم في عُلو المدينة أن يستأني بهم حتى يذهبوا إلى ظهورهم ، فأبى ﷺ ، ولم يَكُن عَزْمُهُم عَلَى اللّقَاءِ ، ولا أعدُّوا لَهُ عُدته ، ولا تأهبوا له أهبته ، ولكن جمع الله بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد . واستشهد من المسلمين يومئذ أربعة عشر رجلاً من المهاجرين ، وستة من الخزرج ، واثنان من الأوس ، وفرغ رسول الله ﷺ من شأن بدر والأسارى في شوال . ❝
❞ هديهﷺ في أذكار العِطاس
ثبت عنه ﷺ ( إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ العُطَاسَ ، وَيَكْرَهُ التَّثاؤبَ ، فَإِذَا عَطَسَ أَحَدُكُم وَحَمِدَ اللَّهِ ، كَانَ حَقًّا عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ سَمِعَهُ أَنْ يَقُولَ لَهُ : يَرْحَمُكَ اللهُ ، وأَمَّا التَّثاؤبُ ، فَإِنَّمَا هُوَ مِنَ الشَّيْطَانِ ، فَإِذَا تَثاءَبَ أَحدُكُم ، فَلْيَرُدَّهُ مَا اسْتَطَاعَ ، فَإِنَّ أَحَدَكُم إِذَا تَثاءَبَ ، ضَحِكَ مِنْهُ الشَّيْطَانُ ) ، وثبت عنه ﷺ في ( إذا عَطَسَ أَحَدُكُم فَلْيَقُلْ : الحَمْدُ لِلَّهِ ، وَلْيَقُلْ لَهُ أَخُوهُ أَوْ صَاحِبُهُ : يَرْحَمُكَ اللَّهُ ، فَإِذَا قَالَ لَهُ : يَرْحَمُكَ اللَّهُ ، فَلْيَقُلْ : يَهْدِيكُمُ اللهُ ويُصْلِحُ بَالَكُم ، وفي الصحيحين عن أنس أنه ﷺ عَطَسَ عِنْدَهُ رَجُلَان ، فشمَّتَ أَحَدَهُمَا ، ولم يُشمِّتِ الآخَرِ ، فَقَالَ الَّذِي لم يُشَمِّتُهُ : عَطَسَ فُلَانٌ فَشَمَّتَهُ ، وَعَطَسْتُ ، فَلَم تُشَمِّتَنِي ، فَقَالَ ﷺ ( هَذَا حَمِدَ اللَّهَ ، وَأَنْتَ لَمْ تَحْمَدِ الله ) ، وثبت عنه ﷺ في صحيح مسلم ( إذا عَطَسَ أَحَدُكُم فَحَمِدَ اللَّهَ ، فَشَمِّتُوهُ ، فَإِنْ لَمْ يَحْمَدِ اللَّهِ ، فَلَا تُشَمِّتُوهُ ) ، وظاهر الحديث المبدوء به أن التشميت فرضُ عين على كُلِّ مَنْ سمع العاطس يحمد الله ، ولا يُجْزِئ تشميتُ الواحد عنهم ، وهذا أحد قولي العلماء ، واختاره ابن أبي زيد ، وأبو بكر بن العربي ، ولا دافع له . ❝